نقش خاتم إبراهيم النخعي
في طبقات ابن سعد ( 8 /400 ) : « كان نقش خاتم إبراهيم : ذباب لله ونحن له » .
وفي هذه الرواية اختصارٌ أوهم صاحبنا الأديب الطلعة المفيد أبا تراب الحزمي ، فقال : أي أن الإنسان مهما تعاظم فهو يستوي مع أحقر المخلوقات .
وما ذكره – سدده الله - معنًى لطيف ، لكنه منقطع الصلة بخاتم إبراهيم .
وبيان ذلك : أن نقش خاتم إبراهيم النخعي رحمه الله كان مشتملًا على لفظ وصورة ، كما بينته رواية أبي نعيم في الحلية ( 4 /229 ) : « كان نقش خاتم إبراهيم : بالله وله نحن ، وتمثال ذباب » . فالذباب صورة وليس لفظًا !
* فأما اللفظ فهو : « نحن بالله وله » .
كما في مسند علي بن الجعد لأبي القاسم البغوي ( 1 /429 ) ، وأخبار القضاة لوكيع (3 /55 ) : « كان نقش خاتم إبراهيم : نحن بالله وله » .
وفي مصنف ابن أبي شيبة ( 14 /59 ط. الشثري ) : « كان نقش خاتم إبراهيم : بالله ، وله ذباب » . وتحرفت « بالله » في ط. عوامة (12 /579 ) إلى « يا الله » !
* وأما الصورة فهي صورة ذباب .
ولا صلة بين صورة الذباب وبين اللفظ المنقوش على الخاتم ، وهو « نحن بالله وله » ، وذلك أن نقش صور الحيوانات على الخواتم كثيرٌ في عهد الصحابة والتابعين ، فقد كانت مما غنمه المسلمون من فارس ، فلبسوها وأضافوا إليها بعض الألفاظ الإسلامية ، كما روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه كان في خاتمه كُرْكِيَّان متقابلان بينهما مكتوب : الحمد لله . فلا مناسبة بين الصور وبين تلك الألفاظ .
أما الشيخ محمد عوامة وفقه الله ، فأبعد النجعة في تعليقه على مصنف ابن أبي شيبة (12 /579 ) حين فسر الذباب بأنه : ذباب السيف وحدُّه أو طرفه المتطرف !
وكان للفرس في نقشهم الذبابَ على الخواتم مغزًى وحكمة .
فقد قيل : كان على خاتم البريد للأكاسرة صورة ذباب ، يريدون بذلك أن لا يُحْجَب كما أن الذباب لا يمكن أحدًا أن يحجبه ، وكانوا لا يمكنون منه الا الوزراء فقط . أدب الكتاب للصولي ( 142 ) ، ومن طريقه أبو هلال العسكري في الأوائل ( 1 /160 ) .
ومما روي عن الصحابة والتابعين في الخواتم التي عليها صورٌ لحيوانات :
1. كان نقش خاتم عبد الله بن مسعود : ذبابان . شرح معاني الآثار ( 4 /263 ) . وفي مصنف عبد الرزاق ( 1 /347 ) : كان في خاتم ابن مسعود شجرة أو بين ذبابين . وفي جامع معمر (10 /395 – بذيل مصنف عبد الرزاق ) : إما شجرة وإما شيء من ذبابين . وفي معجم الطبراني الكبير ( 9 /145 ) : كان في خاتم ابن مسعود شجرة أو شيء بين ذبابين .
2. كان نقش خاتم أنس أسدٌ رابض حوله فرائس . المصنف لابن أبي شيبة (12 /577 ) .
3. كان نقش خاتم أنس بن مالك كُركيٌّ - أو قال : طائر - له رأسان . المصنف لعبد الرزاق ( 1 /348 ) . وفي جامع معمر (10 /394 – بذيل مصنف عبد الرزاق ) عن قتادة عن أنس أو أبي موسى الأشعري : كان نقش خاتمه كركيٌّ له رأسان .
4. كان نقش خاتم حذيفة : كُركيّان . شرح معاني الآثار ( 4 /263 ) . وفي مصنف ابن أبي شيبة ( 12 /577 ) عن حذيفة أنه كان في خاتمه كركيان متقابلان بينهما مكتوب : الحمد لله . وانظر : أحكام الخواتيم لابن رجب ( 2 /685 - رسائله ) .
5. كان خاتم عمران بن حصين نقشه تمثال رجل متقلد سيفًا . مصنف ابن أبي شيبة ( 12 /577 ) .
6. كان نقش خاتم النعمان بن مقرن : أيِّلاً , قابضا إحدى يديه , باسطا الأخرى . شرح معاني الآثار ( 4 /263 ) .
7. عن قتادة قال : كان نقش خاتم أبي موسى الأشعري أسد بين رجلين . مصنف عبد الرزاق ( 1 /348 ) ، و مصنف ابن أبي شيبة ( 12 /577 ) . وفي أحكام الخواتيم لابن رجب ( 2 /685 - رسائله ) أن أبا موسى الأشعري كان يلبس خاتم دانيال الذي نفَّله إياه عمر ، وكان عليه صورة رجل بين أسدين يلحسانه .
وأما وجه لبسهم لها ، وعليها تلك الصور ، فقال محمد بن علي الحكيم الترمذي المتوفى في أواخر القرن الثالث الهجري ، في كتابه « المنهيات » ( 210 ) : « وأما ما جاء من الأخبار في من لبس من الصحابة والتابعين الخواتيم التي فيها هذه النقوش ، فروي عن حذيفة : أنه لبس خاتما عليه نقش كركيين متقابلين ، وفلان لبس خاتمًا فيه ذباب ، وأشباه هذا أحاديث كثيرة = سمعت سفيان بن وكيع يقول : سمعت أبي يقول لمَّا حدَّث بهذه الأحاديث : إن هذه خواتيم العجم ، فلما فتحوا كُور الأعاجم غنموها ، فإنما لبسوها من أجل أنها غنيمة ، ولم يعبؤوا بذلك النقش » .
وقيل في تأويل ذلك : « أن تلك التماثيل كانت صغارًا لا تبدو للناظر مِن بُعْدٍ ، ولا بأس باتخاذ مثل ذلك على ما روي أنه وجد خاتم دانيال عليه السلام في زمن عمر رضي الله عنه كان عليه نقش رجل بين أسدين يلحسانه ، وكان على خاتم أبي هريرة ذبابتان ، فعرفنا أنه لا بأس باتخاذ ما صغر من ذلك . قاله السرخسي ( ت : 420 ) في كتاب المبسوط ( 1 /211، 24 /47 ) .
كتبه مستوفزًا أو كالمستوفز
عبد الرحمن بن حسن قائد
13 ربيع الآخر 1438
Comments
Or